هل يحجب كبار السن مستقبل المواهـب في كرة اليد ؟

في ملاعب كرة اليد تتبدل الأحوال بسرعة مذهلة، فجيل يرحل وآخر يولد في اللحظة نفسها، لكن دائمًا هناك مشهد يتكرر مهما تغيرت الوجوه: لاعبون كانوا يومًا قلب الفريق وروحه، يحاولون التمسك بالملعب بكل ما أوتوا من خبرة، بينما الواقع يلمح لهم بأن الوقت لم يعد صديقهم كما كان, كانوا يصنعون الفارق بلمسة، يقودون المجموعة بثقة، ويغيّرون شكل المباراة في ثانية، لكن الحقيقة التي لا يمكن الهروب منها هي أن العمر الرياضي قصير، وأن الاستمرارية ليست وعدًا دائمًا حتى لو كان التاريخ مليئًا بالإنجازات.
ومع مرور السنوات تبدأ علامات صغيرة بالظهور، لا يمكن تغطيتها مهما كانت الخبرة كبيرة: خطوة أبطأ، رد فعل أقل حدة، تركيز يضيع في لحظات المفصلية. ومع ذلك تجد بعض اللاعبين يتشبثون بمراكز أصبحت بحاجة لروح جديدة، للاعب شاب يرى في كل مشاركة فرصة لإثبات نفسه، ويشعر بأنه قادر على حمل الفريق إلى المستقبل.
المشكلة ليست دائمًا في المستوى الفني، بل في “حساسية المكان” , بعض المقاعد محاطة بهيبة تاريخ طويل، بشعبية كبيرة، باحترام يجعل أي مدرب أو إداري يتردد قبل تغيير الواقع, فيصبح قرار إبعاد اللاعب المخضرم خطوة محسوبة، بينما الأصعب أن يستمر لاعب فقد تأثيره في وقت يقف شاب موهوب ينتظر طوال الموسم فرصة واحدة فقط.
المشجعون يرون كل ذلك بوضوح, قد لا يرفعون صوتهم احترامًا لأسماء كبيرة، لكنهم يلمحون أين بدأ التراجع، وأين أصبح الفريق أقل قوة، ومن لم يعد قادرًا على تقديم الإضافة, الجمهور يريد فريقًا تنافسيًا، ويعرف أن أي مشروع حقيقي يحتاج إلى تجديد شجاع، لا نسخة مكررة من المواسم الماضية.
الأمر يتجاوز اللاعب نفسه ليصل إلى من حوله أيضًا, محبون يخشون جرحه بالكلام، إداريون يفضلون التأجيل على المواجهة، وجمهور يقع بين الإعجاب والواقعية, ومع تزايد المجاملات يصبح اللاعب آخر من يدرك أن البقاء بهذا الشكل قد يسيء لمكانته أكثر مما يحميها.
كل لاعب كبير يستحق نهاية تليق بتاريخه، نهاية تُحفظ فيها صورته الجميلة لا تلك التي تشوهها تراجع النتائج أو ضغط المدرجات, وعلى الأندية التي تفكر بمستقبلها أن تمنح الفرصة لمن يستحقها، وأن تقيس العطاء بما يقدم اليوم لا بما كان يُقدم قبل سنوات، فالمستقبل يبدأ من اللحظة التي يتحلى فيها النادي بالجرأة، ويرى أبعد من الأسماء وأبعد من الذكريات.
التحدي الحقيقي أن يعرف اللاعب الوقت المناسب للخروج بشموخ، وأن يعرف النادي اللحظة التي يجب أن يفتح فيها الطريق للجيل الجديد, فالرياضة لا تتوقف عند أحد، لكنها دائمًا تكرم أولئك الذين يختارون الزمن المناسب لترك المساحة لمن سيحمل الراية بعدهم.






